الفدائي أنجز في قطر… بين فرح اللحظة ومسؤولية الاستمرار
كتب منتصر أيوب إدكيدك/ القدس
ما حققه المنتخب الوطني الفلسطيني لكرة القدم "الفدائي" في الدورة العربية في قطر لم يكن مجرد لحظة فرح عاطفية عابرة، بل محطة مهمة تؤكد أن كرة القدم الفلسطينية قادرة على التقدم حين تُدار بعقل هادئ ورؤية واضحة. في قطر، لم يظهر الفدائي كضيف شرف، بل كمنتخب يعرف قيمة القميص الذي يرتديه، ويؤمن بحقه في المنافسة، مهما كانت التحديات والظروف.
بقيادة المدرب إيهاب أبو جزر، قدم المنتخب صورة مختلفة عمّا اعتدناه في محطات سابقة،، كان هناك وضوح في الهوية الفنية، وانضباط في الأداء، وشخصية جماعية انعكست على طريقة اللعب والتعامل مع المباريات،، اللاعب الفلسطيني بدا أكثر ثقة، وأكثر وعيًا بدوره داخل الملعب، وأكثر قدرة على إدارة اللحظات الصعبة دون ارتباك أو اندفاع. هذا التحول في الذهنية هو جوهر الإنجاز، لأنه يؤسس لمرحلة تقوم على الفهم والتخطيط، لا على ردود الفعل.
هذا النجاح لا يمكن فصله عن الدور الذي لعبه اتحاد كرة القدم الفلسطيني، الذي وفّر الدعم والاستقرار للجهاز الفني واللاعبين، ومنحهم الثقة اللازمة للعمل بعيدًا عن الضغوط اليومية...الاتحاد برئاسة الفريق جبريل الرجوب، كان حاضرًا كعامل توازن في إدارة المرحلة، مدركًا أن كرة القدم لا تُبنى بالقرارات المتسرعة، بل بالاستمرارية وحماية المسار الفني. فالإدارة التي تحمي الإيقاع العام هي التي تمنح الإنجاز فرصة للتحول إلى مشروع، لا إلى ذكرى.
لكن فرح الإنجاز، مهما كان مستحقًا، لا يجب أن يحجب الحقيقة الأهم: الاختبار الحقيقي يبدأ بعد البطولة. التجربة الفلسطينية في الرياضة علمتنا أن المشكلة ليست في القدرة على تحقيق النجاح، بل في كيفية التعامل معه. ما بعد قطر يحتاج إلى قراءة موضوعية للتجربة، تثبّت الإيجابيات وتعالج الثغرات، دون تهويل يرفع سقف التوقعات بشكل غير واقعي، ودون نقد انفعالي يعيدنا إلى نقطة الصفر.
الحفاظ على هذا الإنجاز يتطلب استقرارًا فنيًا، وثقة بالجهاز التدريبي، واستثمارًا حقيقيًا في اللاعب الفلسطيني، ليس فقط من الناحية البدنية والفنية، بل أيضًا من الناحية النفسية. اللاعب اليوم تحت مجهر التوقعات، وأي تعامل غير مسؤول معه قد يحوّل الإنجاز إلى عبء، بدل أن يكون حافزًا للاستمرار والتطور.
وفي هذا السياق، يتحمل الإعلام الفلسطيني المحلي مسؤولية مضاعفة، فدوره لا يقتصر على الاحتفاء بالنتائج، بل يتعداه إلى صناعة وعي رياضي ناضج. الإعلام مطالب بأن يكون شريكًا في البناء، يقدّم قراءة متوازنة لما جرى، ويحتفي دون مبالغة، وينتقد دون تجريح، ويدافع عن فكرة التطوير لا عن الأشخاص. الإعلام المسؤول هو الذي يحمي الإنجاز من الاستهلاك السريع، ويمنح الجمهور فهمًا أعمق لمعنى ما تحقق وحدوده.
ما أنجزه الفدائي في قطر يبعث برسالة واضحة: فلسطين قادرة على المنافسة حين تتوفر الرؤية والإدارة والدعم. لكن الرسالة الأهم موجهة إلينا جميعًا، بأن النجاح ليس نهاية الطريق، بل بدايته. بين فرح اللحظة ومسؤولية الاستمرار، يقف مستقبل كرة القدم الفلسطينية، إما أن نحسن إدارة المرحلة فنحوّل الإنجاز إلى مسار ثابت، أو نكتفي بالاحتفال ونعود إلى الدائرة ذاتها.
الفدائي يستحق أكثر من التصفيق، يستحق مشروعًا يحميه ويمنحه فرصة التقدم بثبات.